Dieu a fait que l’Homme évolue toujours dans l’épreuve

الابتلاء من سنن الله الثابتة

الحمدُ لله رب العالمين، الحمد لله الذي لا يجوز الحمد إلا له ولا يليق التعلق إلا به نحمده تعالى على ما أعطى ونحمده سبحانه على ما أسدى وكل شيء عنده بأجل مسمى نحمده تعالى على كل حال ونعوذ به من حال أهل الضلال ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو أنبأنا بحقيقة عظيمة يسري مفعولها في هذا الكون على كل البشر فلا راد لها إذ هي عنوان عدله في حكمه فقال جل جلاله:

وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ

الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ

ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسولُه، بين لنا الفائدةَ من سَنِّ هذه السنة في الكون حين دخل عليه ابن مسعود وهو في المرض الذي توفي فيه فمسه ثم قال له: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا فأجابه الحبيب:

أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ الرَّجُلانِ مِنْكُمْ. قَالَ: قُلْتُ: وَذَاكَ لأَنَّ لَكَ الأَجْرَ مَرَّتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ، إِلا حَطَّ اللَّهُ عز وجل عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا

أما بعد فيا أيها المؤمنون، بعد الخطبة الأخيرة التي جزمت فيها بمسؤولية العبد عن كل ما يقع له من مصائب وأنه كلما أصابه مكروه يليق به أن يبحث عن الخطأ في نفسه قبل أن يرمي غيره بما لا يليق، جاءني بعض الإخوة يستفسرني في مسألة الابتلاء قائلا، إن أشد الناس بلاء الأنبياء فهل يفهم من كلامك أنه يقع عليهم هذا الابتلاء لكونهم أخطئوا وهم المعصومون من الخطأ أو لكونهم فعلوا شيئا يستحقون عليه التأديب؟ فأجبت لربما! ثم عزمت أمام إلحاحه على أن أوضح هذا الجواب حتى لا يبقى هناك التباس. أقول وبالله التوفيق، الابتلاء لا يأتي أبدا هكذا عفويا لأن الله تعالى كما قدمنا سابقا لا يظلم أحدا فيصيبه بما يكره وهو لم يفعل شيئا أو لم يقترف إثما بل لا بد أن يكون نتاج عمل أو فعل أو قول أو تصرف. وليس من الضروري أن يكون هذا الفعل أو القول أو التصرف إثما أو مخالفا لأمر الله لكي يستوجب التأديب والمؤاخذة بل يجوز أن يكون أمرا مرضيا عند الله ولا ترضاه العامة ولله الأمر من قبل ومن بعد والحمد لله.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. إن الابتلاء عباد الله أنواعٌ كثيرة ومختلفة. فهناك من يبتليه ربنا عز وجل بالخير في ذاته وأهله ليَخْبُرَ حاله إيمانيا تماما كما جاء على لسان سيدنا سليمان عليه السلام حين قال:

هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ

وهناك من يبتليه ربه بالشر مصداقا لقوله تعالى عن كلتا الحالتين:

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ

ثم الابتلاء لا يكون إلا بسبب يقترفه المبتلى. فإذا أخطأ فغيَّر أو بدَّلَ سُنَّةً من سنن الله في الخلق، كمن يذهب إلى امتحان دون تحضير ولا استعداد، عوقب وأدب حتما بما جناه على نفسه من سوء التدبير وكذلك من يبني بناء فلا يحترم قواعد التشييد فعليه انتظار سقوط ذلك البناء وتذوق مرارة سوء فعله. أما الذي يحسن في فعله وقوله ويجيء بكل ما يتطلبه التوكل الحق من أسباب ثم يقع عليه ما يكره فهذا لا يكون إلا نتيجة تجاوز بسيط لربما لم يفطن إليه ولكن الله حاسبه عليه لكي يرفع من درجاته بموجب صبره واحتسابه ذلك الإخفاق وهو عين قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كما عند أحمد عن فاطمة بنت اليمان:

إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاء، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ

ولعل هناك من سيقول ولكن كثيرا ما نرى الابتلاء غير متكافئ مع الخطأ الواقع فلماذا؟ وهنا يأتي الجواب بأن الابتلاء يكون على قدر إيمان المرء فعند ابن حبان عن سعد بن مالك أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: من أشد الناس بلاء؟ فقال صلى الله عليه وسلم:

الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ

فأما الأمثل فيبتلى بالكبير على الخطأ الصغير وأما الأدنى فيبتلى بالصغير ولو على الخطأ الكبير ثم إن الأول يصبر فترتفع درجته عند الله والثاني يزيد في غيه فيندحر أكثر فأكثر اللهم ثبتنا ووفقنا وتب علينا واجعلنا من الراشدين. اللهم أعل رايتنا وراية المسلمين وارحمنا وموتانا واشفنا ومرضانا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم وانصر اللهم ولي أمرنا والحمد لله رب العالمين.