Attention à l’apostasie!

حذاري من الردة

الحمدُ لله رب العالمين، نحمده تعالى حمد من لا يفتر عن حمده ونشكره جلت قدرته شكر من لا ينتهي من شكره ونشهد أنه الله ولي المتقين من عباده المنتقمُ لهم من أعدائه، حذر المؤمنين من خطر تغيير الدين ودعاهم للثبات عليه إلى أن يلقوه يوم القيامة علَّهم يظفرون برحمته وينالون مغفرته فقال عز من قائل:

وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسولُه، هول من شأن الردة فقال صلى الله عليه وسلم:

مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ

لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ، الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ

أما بعد فإن موضوع الردة موضوع خطير جدا حيث يثير جدالا عظيما في عصرنا هذا خصوصا حول عقوبة الإعدام ونجاعتها في حل إشكالية الإجرام وفي ظِلِّ حق حرية التعبير والمعتقد. وقد عالجه كتاب الله تعالى خير معالجة حيث بين في النداء الثامن من نداءات الإيمان في سورة المائدة أن لو ارتدت البشرية جمعاء ما كان ذلك ليضر الله شيئا بل إنه سبحانه سيبقى هو الآمر الناهي الفاعل لما يشاء لا تنفعه طاعة طائع ولا تضره معصية عاصي. فهو الخالق للكون كله وكلُّ شيء يمشي فيه على المنوال الذي أراده له سبحانه لا يعزب عنه مثقال ذرة ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. يقول تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُومِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ

فهذا أيها البررة الكرام تحذيرٌ بَيِّنٌ للمؤمنين ضِدَّ الردة باعثُه إرادة الله تعالى ألا يسقط عباده الصالحون في ما سقط فيه أهل الكتاب من كبر واغترار بالنفس حين قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه. فينبغي للمؤمنين أن يفهموا جدا أن الدخول في الإسلام منة من الله على صاحبه ما بعدها منة، وبالتالي يليق بهم الاعتزاز بفضل الله عليهم والدفاع عن دينهم بكل ما أوتوا من قوة ولله الحمد والمنة.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. إن المؤمن حين يذوق فعلا حلاوة الإيمان لا يستطيع أن ينفك عنه فإذا ما رأيت أحدا انسلخ يوما عن دينه فاعلم أن إيمانه الذي كان عليه لم يكن حقا بل كان من الدناءة أن جعله ينحرف فيخلد إلى ما لا يرضاه الله. فالمعصية نتاج البعد عن الله والحسنة فضل منه سبحانه ولهذا فالمرء الذي يقع في الكفر بعد الإيمان فإنما يؤدي ثمنَ عدمِ صفاء نيته فلا غرو بعد ذلك أن يتخلص منه تحضيرا لاستبداله بمن هو خير، أي بمن يحبه الله ممن يعبده حق عبادته ويروم القرب منه فيدافع عن دينه وعقيدته ولا يفرط فيهما مهما كلفه ذلك من تضحية. فهو يبذل كل ما في وسعه لإرضاء ربه الغني الحميد فإذا ما فعل تدخل القدر لينصفه على قدر صدقه وإخلاصه:

وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ

إِنَّ اللَّهَ بَالِغٌ أَمْرَهُ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً

فالإسلام لا يُرْغِمُ أحدا على اعتناقه أو أن يكون من أتباعه ولكنه يطالب ممن اعتنقه اعتقادا وحبا أن يفي بعقده وذلك من خلال تعامل متزن حيال محيطه وحيال نفسه بتقريب من سانده وإبعاد من شاقه لا يبالي في ذلك بمن يناوئه وإلا استبدله الله بمن هو على هذه الشاكلة فيفوز هذا الأخير بفضل الله الذي ليس بعده فضل. إن الله تعالى هو خالق هذا الكون وهو مدبره بجميع تفاصيله وهو صاحب الفضل يؤتيه من يستحقه وإن بدا لك في بعض الأحيان أن الأمر غيرُ ذلك. المهم هو أن الأمر يكون دائما وفي الأخير وفق مراد الله. ومعنى هذا أنه كلما اقتضت الضرورة تعطى الغلبة لفئة على أخرى وإن كانت ظاهريا مناوئة ولكن دائما بما يفيد أمر الله، فقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال:

إِنَّ اللهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ

فما أحوجنا للركون إلى الله والعمل بطاعته ما دام الأمر لن يسير إلا وفق مراده فاللهم ثبتنا على دينك واجعلنا من أوليائك واهدنا سبل الرشاد. اللهم أعل رايتنا وراية المسلمين وارحمنا وموتانا واشفنا ومرضانا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم وانصر اللهم ولي أمرنا وكن لنا وله والحمد لله رب العالمين.