Toujours aspirer à l’excellence!

ابتغاء المعالي

الحمدُ لله رب العالمين، نحمدك اللهم كما أمرتنا ونحمدك حيث أمرتنا ونحمدك بما وعلى ما أمرتنا، نحمد ربي على كل حال ونعوذ بك من حال أهل الضلال ونشهد أنك الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، أمرتنا بالتقوى ثم بينت أن من صورها المثالية ابتغاءَ المعالي في ما نُقْدِمُ عليه من أعمالٍ وأشغالٍ ومشاريعَ، فقلت وقولك الحق الذي لا مراء فيه:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبده ورسولُه حين طُلب منه تعريفُ درجة الإحسان التي يحبها الله فيُدخل بفضلها الموصوفين بها الجنة قال صلى الله عليه وسلم:

أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ

وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه كيف يتم تنزيل ذلك على أرض الواقع فيقول عليه الصلاة والسلام:

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ

فتصوروا معي عباد الله لو أن كل واحد من أفراد مجتمعنا استشعر وجود الله معه في كل ما يقوم به من أعمال، صغيرها وكبيرها، هل كان الغش سيغزونا كما هو الحال اليوم في كافة المعمورة؟ ولو كنا نشعر بمراقبة الله لنا في كل صغيرة وكبيرة، هل كنا سنكون على هذا المستوى الدنيء من الجودة في منتجاتنا على قلتها وكثرة اعتمادنا على منتجات غيرنا. آه على ما نحن عليه من الكسل وآه على ما أصبحنا نرى عليه عامة الناس من اقتناص أي فرصة لإقامة إضراب عن العمل أو احتجاج في الطرقات فتعطيل لمصالح المواطنين، فلله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا به. عباد الله، إن النداء الذي قدمنا به الخطبة هو السادس من نوعه في سورة المائدة و بغض النظر عن السياق الذي جاء فيه فهو دعوة واضحة للجهاد في سبيل الله والبحث عن القرب منه سبحانه بانتهاج التقوى في حياتنا بجميع تفاصيلها. إن الله تبارك وتعالى يأمرنا بتقواه أي بأخذ الحذر منه حتى لا يرانا حيث نهانا ثم يدعونا إلى الاستمرار في طلب رضاه وذلك بالاجتهاد في فعل ما أمر به سبحانه فهو الكفيل الأوحد لضمان القرب منه ولله الحمد من قبل ومن بعد ويومئذ نفرح بنصره سبحانه وهو الرحيم الغفور.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. لا يكون المرء قريبا من ربه إلا إذا أطاعه وذلك بفعل ما أمره به وترك ما نهاه عنه فكلما تمثل ذلك في حياته كان القرب أكبر. جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى يقول في الحديث القدسي:

وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ

فالمؤمن الحق هو القائم الفاعلُ لِما يرضي الله وكلما تحقق ذلك في حياته كلما ازداد قربا من ربه إلى أن يصبح محبوبا لديه كما في تابع الحديث السابق:

وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ

فمن منا لا يحب أن يكون محبوبا لدى ربه وهو يعلم أنه لو أصبح كذلك فتحت له جميع أبواب التيسير في الدنيا وجنب جميع ما يكرهه بفضل مولاه حتى الموت يكاد أن ينجو منه لولا أن الله أوجبه على سائر الخلائق! ففي تتمة الحديث:

فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ

أما الجهاد المذكور في النداء فمعناه أن يكون المؤمن عالي الهمة دائم الاستعداد لتقديم ما في وسعه من جهد لمقاربة الكمال في ما يقوم به من أعمال، سواء كان ذلك عبادة محضة كالصلاة أو معاملات أو مشاركات أو وظيفة أو تصرفات وهو ما يصطلح عليه بالإتقان الذي هو عين الإحسان المشار إليه آنفا وفي قوله:

إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ

فما أجمل الذي يبتغي المعالي في حياته فلا يرضى لنفسه المؤخرة ولا الوسط بل يسعى دائما إلى التقدم والتفوق في جميع المجالات التي يخوضها، كما قال تعالى:

إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ

أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ

وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ

فاللهم فقهنا في ديننا وعلمنا منه ما جهلنا وتجاوز عنا يا مولانا واهدنا سبل الرشاد اللهم أعل رايتنا وراية المسلمين وارحمنا وموتانا واشفنا ومرضانا وتب علينا يا ربنا وانصر اللهم ولي أمرنا وكن لنا وله والحمد لله رب العالمين.