Faire confiance à Allah en pratique quotidienne

التوكل على الله على أرض الواقع

الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى حمد من يعترف له بالنعمة ونشكره جل وعلا شكر من يقر له بالفضل ونشهد أنه الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي بيده تسييرُ الكون كله ولا يقع أمر فيه إلا بإذنه، بيَّن لنا أن التوكل عليه سبحانه لا يكون إلا بعد الأخذ بأسباب النجاح فقال سبحانه لنبيه الكريم ولنا من خلاله:

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا

فنأخذ من هذا الكلام أن توكل النبي لا يكون إلا بعد أن يقوم بما يتوجب عليه من تبشير وإنذار وهو ما اصطلحنا عليه بالأخذ بالأسباب. ثم إذا ما توكل على الحي الذي لا يموت بقي عليه التسبيح بحمده إظهارا لثقته بمولاه غير ملتفت إلى ما يقترفه المتربصون لكسر تقدمه، فالله يتولاهم بموجب علمه بما يضمره كل مخرب كائد، وذلك مصداقا لقوله تعالى أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ؟

ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبده ورسولُه كان لا يفتر في دعوته إلى التوكل وحث أصحابه عليه قائلا صلى الله عليه وسلم في ما رواه الحاكم في مستدركه:

مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ النَّاسِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى النَّاسِ فَلْيَكُنْ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقَ مِمَّا فِي يَدِهِ

أما بعد فيا عباد الله، نزولا بنا عند شرط الأسبوع الماضي نتناول اليوم كيفية تنزيل التوكل على الله في أرض الواقع. والأصل أن التوكل على الله لا بد له من ركنين أولهما الأخذ بالأسباب إي إذا أردت النجاح في امتحانك عليك بحفظ الدروس التي ستمتحن فيها وإذا هممت بسفر لا بد لك من الاستعداد بتوفير العدة واقتناء التذكرة والاطمئنان على مقر الإقامة وإذا كنت مريضا فلا شفاء إلا بمراجعة الطبيب وأخذ العلاج الموصوف. أما ركن التوكل الثاني فالاعتقاد بأن هذه الأسباب لا تعمل وحدها بل هي مجرد وسائل تنقل من أخذ بها إلى مراد الله تعالى فمثلا أخذ الدواء بالنسبة للمريض لا يشفيه حتما ولا قطعا بل يبقى الله تعالى هو الذي يقرر هل ذاك الدواء كاف أم لا وأن المقادير المتناولة هي المطلوبة حقا ولله الحمد والشكر والمنة والفضل.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. إنك أيها المسلم الكريم حين تستقل طائرة هل إنك تكون على يقين بأنك ستبلغ مقصِدَك أم يبقى الأمر متوقفا على ما كتبه الله في الأزل؟ لا بد لك من الترتيب للسفر وأخذ التذكرة وجمع مؤونتك حتى لا ينقطع بك الحبل ولكن هل كل هذا يضمن لك الوصول وحتى إذا ما وصلت هل أنت مطمئن مائة بالمائة على أن كل شيء سيمر بخير وعلى خير من غير عراقيل ولا مثبطات التي لا يكاد يخلو منها عزم ولا ينجو منها أحد؟ طبعا لا، اللهم إذا كنت واثقا من أن الله معك وهو مولاك! وبقدر توكلك هذا تكون نسبة النجاح أعلى وأعظم.فالتوكل الحق هو سبب النجاح الأكبر بل بموجبه يمكن أن يتحول القدر من مؤلم إلى مريح ومكروه إلى محبوب ألا تسمع معي رحمك الله إلى قوله تعالى وهو يربي حبيبه والأمة من بعده على الأخذ بالأسباب ثم وضع الثقة فيه والاعتماد عليه سبحانه:

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ

ولقد أعطانا رسول الله أروع الدروس في التوكل طوال حياته منها تصرفه عند هجرته إلى المدينة إذ حرص على إعداد خطة محكمة كفيلة بإنجاح ما هو مقدم عليه فأحاطها بكامل السرية وأعد الراحلة وسلك طريقا غير متوقع لصرف العدو عنه ثم اتخذ لنفسه دليلا حتى لا يتيه في الصحراء وبعد ذلك لما دخل الغار وخشي أبو بكر أن ينكشف أمره التفت إليه وقال له باطمئنان تام:

يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا

ثق بربك إذن واطمئنَّ إليه وكن واثقا من أنه لن يخذلك أبدا ما دمت على عهد التوكل عليه فاللهم علمنا التوكل عليك واجعلنا دائما من الواثقين بنصرك اللهم حبب إلينا الاعتماد عليك وكره إلينا الاتكال على غيرك واهدنا سبل الرشاد اللهم أعل رايتنا وراية المسلمين وارحمنا وموتانا واشفنا ومرضانا وتب علينا يا ربنا وانصر اللهم ولي أمرنا وكن لنا وله والحمد لله رب العالمين.