Equité et justice à toute épreuve!

العدل مهما كانت الظروف

الحمد لله رب العالمين، خالق السماوات السبع والأرضين، نحمده تعالى حمد العارفين ونشكره جل وعلا شكر من وعدهم جلت قدرته بالزيادة من المتقين ونشهد أنه الله ولي الصالحين من عباده المؤمنين، هيأ لنا الكون فأسسه على العدل والقسطاس المستقيم فقال في ما أنزله على نبيه الكريم ورسوله الأمين:

إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ

ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبده ورسولُه بين لنا أهمية العدل وخطورة الظلم وما ينبغي أن يسير عليه من يتولى أمرا من أمور المسلمين فقال كما يروي ذلك الإمام الدارمي في سننه وأحمد في مسنده عن أبي هريرة:

مَا مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ، إِلَّا يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولًا لَا يَفُكُّهُ إِلَّا الْعَدْلُ أَوْ يُوبِقُهُ الْجَوْرُ

أما بعد فيا معاشر المؤمنين، نحن اليوم على موعد مع النداء الرابع من نداءات الإيمان في سورة المائدة وهو نداء عظيم يأتي مباشرة بعد قوله سبحانه وتعالى:

وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

عباد الله، إن علم الله تعالى بخبايا الأمور لجدير بأن يمنع المسلم من الاعتقاد بأنه يستطيع أن يخفي عن خالقه سبحانه أسراره. والذي يتصور ذلك لا يمكنه أبدا أن يدرك منزلة التقوى الموصى بها والتي لا يدخل الجنة إلا بها! فما العمل إذن لاجتناب هذا المصير؟ لا جواب إلا في فعل كل ما بوسعك لسلك الطريق الذي يؤدي حتما إلى التقوى وهو طريق العدل والإنصاف والابتعاد الكلي عن الظلم بكافة أنواعه. فكونك عادلا مع نفسك ومع غيرك من الخلق هو السبيل الأوحد الذي يمكنك من بلوغ التقوى وهو ما يبينه تعالى في نداءنا ليومنا هذا:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

إن هذا الكلام يشبه شيئا ما مَا ورد في النداء السابع من سورة النساء فإن كان من عود إلى معانيه فللتأكيد على أنه من واجب المؤمنين أن يوفوا بعقودهم ولا يألوا سواء كانت عقودا مع الله أو مع العباد ومنها عقد العدل والإنصاف وبه وجب التذكير الدائم وعليه ضرورة الوقوف المستمر ولله الحمد والمنة.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. إن على المسلم سلك طريق العدل والإنصاف مهما كانت ظروفه ولو كان عدله هذا يصب في غير مصلحته المادية الدنيوية. فمنطق إسلام وجهه لله يحتم عليه أن يكون عادلا لا يترك مجالا أبدا لتسرب الأطماع إلى نفسه خصوصا إذا كان ذلك سيؤدي إلى الإضرار بغيره، فلا تقديم لقريب ولا لمصلحة شخصية ولا لصداقة ما أُمر به من عدل وإنصاف وتقوى. فالعلاقات الأسرية والصداقات المبنية على المادة أو الأفكار السياسية وحتى الدينية لا قيمة لها عند إصدار حكم أو في إطار شهادة مهما صغرت القضية المتداول فيها فالمؤمن الحق لا يقول إلا حقا ولو كان هذا الحق في غير صالحه بل ولو كان في صالح عدوه، لأن هدفه الأسمى ليس في ربح قضية دنيوية بأي ثمن كان ولكن مبتغاه في أن يسود العدل برد الحق لصاحبه أيا كان صاحبه. وهذا هو فحوى قوله جل وعلا في خضم النداء:

وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

فالعدل والإنصاف هما ركيزتا النصر الذي يعطيه اللهُ لخلقه بغض النظر عن ما يكون عليه من اعتقاد وتدين. ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال:

اللهُ يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلَا يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً

فإياك والاعتقاد بأنك بحكم إسلامك تستطيع أن تفعل ما تشاء فتظلم غيرك لا لشيء إلا لأنك مسلم محبوب عند الله! إنك إن فعلت توشك أن تضيع فترك العدل والإنصاف عمدا يفتح باب الكفر بينما إثباتهما يتيح لك الفوز الأوفى:

وَعَدَ الله الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ
اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

فاللهم حبب إلينا التقوى ووفقنا للعمل بالعدل الذي يرضيك والإنصاف الذي يجعلنا عندك من المحبوبين المنصورين اللهم حبب إلينا طاعتك ويسر لنا سبل الرشاد اللهم أعل رايتنا وراية المسلمين وارحمنا وموتانا واشفنا ومرضانا وتب علينا يا ربنا وانصر اللهم ولي أمرنا وكن لنا وله والحمد لله.