Entraidez vous à faire le bien et cultiver la piété

وتعاونوا على البر والتقوى

الحمد لله رب العالمين، نحمدك ربي حمدا لا ينبغي إلا لك ونشكرك إلهنا شكرا لا يليق إلا بك ونعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ونشهد أنك الله الذي لا إله إلا هو، حرضت عبادك المؤمنين على التزام التقوى وبينت لهم بعض مظاهرها فقلت وقولك الحق:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلائِدَ وَلا ءَامِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ

ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسولُه كان أعبد الناس وأتقاهم لربه ما فتئ يدعو الناس إلى التقوى حتى قال في حَجَّةِ الْوَدَاع:

اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ

أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ

أما بعد فيا أيها الإخوة البررة الكرام موعدنا مع النداء الثاني من نداءات الإيمان في سورة المائدة. فإذا كان النداء الأول دعوة إلى الوفاء بالعقود وأداءِ الأمانة وتحري عدم الكذب والخيانة فنداؤنا هذا دعوة إلى ما هو أوسع من ذلك وهو التقوى متمثلةً في ثلاثة أمور لا رابع لها: التورع عن إحلال ما حرم الله ثم الامتناع عن الظلم والاعتداء على الآخرين ثم التعاون على البر وفعل الخير ونفع غيرك!
فأما التورع عن إحلال الحرام فنستخلصه من قوله جل وعلا:

لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلائِدَ وَلا ءَامِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ

فهذه المحرمات الخمس وإن كانت تتعلق بالحج والبيت الحرام والقاصدين إياه فإنما هي كناية عن كافة المحرمات فلا يجوز لأحد أن يحل ما حرم الله وإن كان تحريما ظرفيا كما هو الحال بالنسبة لقتل الصيد أثناء الإحرام ثم لا يحل لأحد أن يحرم ما أحل الله تبارك وتعالى خصوصا وقد صح عن الحبيب صلى الله عليه وسلم أنه قال:

إِنِّي وَاللَّهِ لا يُمْسِكُ النَّاسُ عَلَيَّ بِشَيْءٍ إِلا أَنِّي لا أُحِلُّ إِلا مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَلا أُحَرِّمُ إِلا مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ

فاللهم اجعلنا ممن يحل حلالك ويحرم حرامك آمين والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. الأمر الثاني من أمور التقوى في نداءنا فالامتناع عن الظلم والاعتداء على الآخرين مصداقا لقوله:

وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ

فالنهي عن الاعتداء ثابت حتى في حق المعتدين أنفسهم فلا يجوز لك أخي الكريم إذا ظلمك بعضهم ثم دارت الأيام فأصبحت لك الغلبة عليه أن تفعل به ما فعل بك أو أن تسلبه حقا هو له لا لشيء إلا لأنك تريد الانتقام لنفسك فهذا رسول الله يعطيك المثال، لم ينتقم لنفسه أبدا فرغم أنه اضطهِد وشتِم وعذِّبَ أصحابُه ورُمْيَ بكافة الاتهامات المخزية لم تحدثه نفسه بالانتقام بل قال صلى الله عليه وسلم:

لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ، الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ

فمهما كان ضحية، المسلم مدعو إلى التزام الرزانة وعدم الإقدام على العنف في الرد ولا يروم الانتقام أبدا فإن لم يقدر على الصبر وأراد حتما الانتقام فحذار أن يتجاوز حده فيكون الضر الذي يلحقه بعدوه مبالغا فيه فالله تعالى يقول:

وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ

إن الأجدر بالمؤمن حين تعود له الغلبة أن يلتزم الإيجابية فيسد باب الضغينة ويسارع إلى فتح باب التعاون على الخير على مصراعيه حتى مع من كان عدوا له من قبل! وهذا هو الأمر الثالث من أمور التقوى في النداء الذي ندرسه:

وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ

فالمؤمن الحق لا يبغي أبدا الانتقام لنفسه إلا أن تنتهك حرمة من حرمات الله تماما كما كان يفعل الحبيب المصطفى قدوته وأسوته العظمى. قالت عائشة:

مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

فالهدف الأسمى هو إقامة التقوى الفردية والجماعية بغية إقامة السلم والحب والتوافق في المجتمع فاللهم حبب إلينا التقوى والعمل على إرسائها وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا اللهم أعل رايتنا وراية المسلمين وارحمنا وموتانا واشفنا ومرضانا وتب علينا يا ربنا وانصر اللهم ولي أمرنا وكن لنا وله والحمد لله.