Trop poser de questions ne mène à rien de bon!

كثرة السؤال وما عليها

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ثم الحمد لله، نحمده تعالى حمد من أيقن بخيره ونشكره جل وعلا شكر من يعترف بفيض نعمه ونشهد أنه الله الولي الحميد ذو المنة السارية والفضل المديد، ينهى عباده المؤمنين عن كثرة الفضول والتنقيب غير المسؤول في ما لا يعنيهم من أمور الدين والدنيا فينادي عز جاره وهو يقول:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْءَانُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ

ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وإمامنا محمدا خيرُ الخلق من ذوي الأصول وأنفعهم لأصحاب العقول وجهنا إلى ما هو معقول فقال صلى الله عليه وسلم وهو أفضل نبي ورسول:

إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْكُمْ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلا تَنْتَهِكُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا فَلا تُضَيِّعُوهَا وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ فَلا تَبْحَثُوا عَنْهَا

أما بعد فهذا النداء المقدم له هو الرابع عشر من نداءات الإيمان في سورة المائدة جاء مباشرةً بعد دعوةٍ ربانية لذوي العقول البهية لنهج التقوى من أجل النجاح:

فَاتَّقُواْ اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .. لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ

جاء عن سبب نزول هذا التوجيه الرباني العظيم عديد من الروايات أرجحها أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الناس خطيبا فأعلمهم بأن الله قد فرض عليهم الحج فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت عنه حتى كررها ثلاثا فقال له صلى الله عليه وسلم:

لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ مَا قُمْتُمْ بِهَا! وقال: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قِبَلِكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَمَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا عَنْهُ

وهذه حالةٌ تفيد أن هناك أحكاما صعبة التطبيق أو لربما كان سيكون فيها بعضُ الحرج لو فرضت، سكت عنها الله رحمة وتيسيرا، مصداقا لقوله تعالى:

وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ

يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا ءَاتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا

فكان على المسلمين أن يحذروا بعض الأسئلة وطلبَ بعضِ التوضيحات التي لا طائل منها حتى لا يقعوا في الحرج فيكونوا بذلك قد جنوا على أنفسهم بقصد أم بغير قصد. فلله الحمد والمنة على فضله وإحسانه ورحمته بعباده.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. لعلَّ تنزيلَ هذا النداء في أرض واقعنا اليوم لا يظهر جليا ولا نجد له تطبيقا واقعيا إذ نُزولُ القرآنِ لم يعد واردا وما عفا الله عنه من الأحكام لم نعد ننتظر له أي إتمام. فكيف ينبغي لنا يا ترى فهمه؟ الأصل أن الله أحل الحلال وبينه وحرم الحرام فأجلاه ثم سكت عن أمور كثيرة لم يبين حكمها بل ترك الباب مفتوحا في وجه الناس ليختاروا لأنفسهم فيها حسب إرادتهم وميولهم الخاص وما تهتدي إليه قريحتهم في طلب الخير والهرب من الشر والضرر. لذا ينبغي لنا أن ندرك أن إذا ما سكت الله عن حكم معين فذلك فضل منه لحجم التضييق على الحريات الفردية التي من أجل تحصيلها يكابد كثير من البشر في هذا الزمان فيتولد عن تلك المكابدة تشنجات وعداوات لما تسببه من أضرار بينما الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول:

لَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ وَلَا يَخْذُلُه، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ

فلا مجال لكثرة الأسئلة التي تثير الخلاف والعداوة بين الناس فإذا ما وقع وأثيرت مشكلة معينة في أمر ليس فيه حكم بين، فعلى المسلمين أو يفتحوا صدورهم لقبول الرأي الآخر ولا يغمسوا أنفسهم في مغبة كراهية المخالف تماما كما كان سلفنا الصالح من علماء وفقهاء في عهد الإسلام الأول يجتمعون على ما يتفقون عليه ويعذر بعضهم بعضا في ما يختلفون فيه. وعلى المسلمين أن يتجنبوا البوح بالأسرار إلا لضرورة قصوى وأن يلتزموا بستر عيوب غيرهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. فالواقع يفيد أن الإنسان ينطلق في عملية ما لفضح أمر ما ثم يظهر له أن يتراجع لهول ما سينتج عن فعله فلا يستطيع ويكون قد فات الأوان. فلا تصِدْ أيها مسلم أبدا في الماء العكر وكن دائما في أعلى مستويات الانشراح والتفتح. اللهم ثبت قلوبنا على دينك واجعلنا من أوليائك ولا تلق بنا أبدا في مغبة الكلام الفاحش والمناظرات الزائفة وارحمنا برحمتك الواسعة. وانصر اللهم ولي أمرنا وكن له الولي والظهير والمعين والنصير والحمد لله العلي القدير.